سورة مريم - تفسير تفسير الشعراوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا(31)}
أي: وشرَّع لي أيضاً ما دُمْت حياً.. وقد قال عيسى عليه السلام في المهد هذه الكلمات ليبرِّىء أمه الصِّدِّيقة، ذلك أنهم اتهموها في أعزِّ شيء لديْها؛ ولذلك لم يكُنْ ليُجدي أيّ كلام منها، وإنقاذاً لها أبلغها الحق عن طريق جبريل أو عيسى عليهما السلام أن تقول: {إِنِّي نَذَرْتُ للرحمن صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ اليوم إِنسِيّاً} [مريم: 26].
ثم يقول: {وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي}


{وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا(32)}
فلِمَ ذكر والدته هنا؟ ولِمَ حرص على تقرير بِرِّه بها؟ قالوا: لأن البعض قد يظن أن عيسى عليه السلام حينما يكبر ويعرف قصة خَلْقه، وأن أمه أتَتْ به من غير أب، ودون أنْ يمسسْها بشر قد تترك هذه المسألة ظلالاً فلي نفسه وتُساوِره الشكوك في أمه، فأراد أنْ يقطع كل هذه الظنون.
ذلك لأنه هو نفسه الدليل، وهو نفسه الشاهد على براءة أمه، والدليل لا يُشكِّك في المدلول، فكأنه يقول للقوم: إياكم أنْ تظنوا أني سأتجرأ على أمي، أو يخطر ببالي خاطر سوء نحوها.
ثم يقول: {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً} [مريم: 32] فنفى عن نفسه صفة الجبروت والقسوة والتعاظم؛ لأن الرسول لابُدَّ أنْ يكون ليِّنَ الجانب رفيقاً بقومه؛ لأنه أتى ليُخرِج الناس مِمَّا ألِفُوه من الفساد إلى ما يثقل عليهم من الطاعة.
والإنسان بطبعه حين يألَف الفساد يكره مَنْ يُخرِجه عن فساده، فمن الطبيعي أن يتعرّض النبي لاستفزاز القوم وعنَادهم ومكابرتهم، فلو لم يكُنْ ليِّن الجانب، رقيق الكلمة، يستميل الأذن لتسمع والقلوب لتعي ما صلح لهذه المهمة.
لذلك يخاطب الحق تبارك وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بقوله: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القلب لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].
ومعنى {شَقِيّاً} [مريم: 32] أي: عاصياً، وما أبعدَ مَنْ هذه صفاته عن معصية الله التي يشقى بسببها الإنسان.
ثم يقول تعالى عن عيسى عليه السلام أنه قال: {والسلام عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ}


{وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا(33)}
سبق أن قلنا في قصة يحيى عليه السلام: إن هذه الأحداث أعلام ثلاثة في حياة الإنسان: يوم مولده، ويوم موته، ويوم أنْ يُبعث يوم القيامة. فما وجه السلامة في هذه الأحداث بالنسبة لعيسى عليه السلام؟
قوله: {والسلام عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ} [مريم: 33] لأن يوم مولده مَرَّ بسلام، رغم ما فيه من عجائب، فلم يتعرَّض له أحد بسوء، وهو الوليد الذي جاء من دون أب، وكان من الممكن أنْ يتعرّض له ولأمه بعض المتحمسين الغيورين بالإيذاء، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، ومَرَّ الميلاد بسلام عليه وعلى أمه.
{وَيَوْمَ أَمُوتُ} [مريم: 33] لأنهم أخذوه ليصلبوه، فنجّاه الله من أيديهم، وألقى شبهه على شخص آخر، ورفعه الله تعالى إلى السماء.
{وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} [مريم: 33] فليس هناك من الرسل مَنْ سيسأل هذه الأسئلة، ويناقش هذه المناقشة التي نُوقِشها عيسى في الدنيا: {وَإِذْ قَالَ الله ياعيسى ابن مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين مِن دُونِ الله قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغيوب مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ} [المائدة: 116- 117].
وليس هذا قَدْحاً في مكانة عيسى عليه السلام؛ لأن ربَّه تبارك وتعالى يعلم أنه ما قال لقومه إلا ما أُمِرَ به، ولكن أراد سبحانه توبيخ القوم الذين اتخذوه وأمه إلهين من دون الله، فوجْه السلام في يوم {أُبْعَثُ حَيّاً} [مريم: 33] أنه نُوقِش في الدنيا وبُرّئتْ ساحته.
ثم يقول الحق سبحانه: {ذلك عِيسَى ابن مَرْيَمَ}

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14